عدد المساهمات : 65السٌّمعَة : 0تاريخ التسجيل : 26/02/2010
موضوع: تفسير الآية 2 من سورة المجادلة. الجمعة فبراير 26, 2010 11:40 am
( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور )
هذا تفسيرها عند بن كثير
روى الإمام أحمد، عن خولة بنت ثعلبة، قالت: فيّ واللّه وفي أوس بن الصامت أنزل اللّه صدر سورة المجادلة قالت: كنت عنده، وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه، فدخل عليّ يوماً فراجعته بشئ فغضب، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فلبس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ، فإذا هو يريدني عن نفسي، قالت، قلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم اللّه ورسوله فينا بحكمه، قالت فواثبني فامتنعت بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي اللّه فيه) قالت: فواللّه ما برحت، حتى نزل فيّ قرآن، فتغشى رسول اللّه ماكان يتغشاه، ثم سري عنه فقال لي: (يا خويلة قد أنزل اللّه فيك وفي صاحبك قرآناً) ثم قرأ عليّ {قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إن اللّه سميع بصير} إلى قوله تعالى{وللكافرين عذاب أليم} قالت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مريه فليعتق رقبة) قالت، فقلت: يا رسول اللّه ما عنده ما يعتق، قال: (فليصم شهرين متتابعين) قالت، فقلت: واللّه إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر) قالت، فقلت: واللّه يا رسول اللّه ما ذاك عنده، قالت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فإنا سنعينه بفرق من تمر) قالت، فقلت: يا رسول اللّه وأنا سأعينه بفرق آخر، قال: (قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً) قالت: ففعلت ""أخرجه أحمد وأبو داود""هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة، قال ابن عباس: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقاً، فأتت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه إن أوساً ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته، وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل اللّه تعالى: {قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه} إلى قوله تعالى {وللكافرين عذاب أليم} فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (أتقدر على رقبة تعتقها)؟ قال: لا واللّه يا رسول اللّه ما أقدر عليها، قال، فجمع له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أعتق عتقه، ثم راجع أهله ""رواه ابن جرير، قال ابن كثير: وإلى ماذكرناه ذهب ابن عباس والأكثرون"". وقوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} أصل الظهار مشتق من الظهر، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقاً فأرخص اللّه لهذه الأمّة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقاً كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم، هكذا قال غير واحد من السلف، وقال سعيد بن جبير: كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية فوقّت اللّه الإيلاء أربعة أشهر، وجعل في الظهار الكفارة ""رواه ابن أبي حاتم""، وقوله تعالى: {ما هن أمهاتكم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} أي لا تصير المرأة بقول الرجل أنت عليّ كأُمّي، أو مثل أُمي، أو كظهر أّمي وما أشبه ذلك، لا تصير أُمه بذلك إنما أمه التي ولدته، ولهذا قال تعالى: {وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً} أي كلاماً فاحشاً باطلاً، {وإن اللّه لعفو غفور} أي عما كان منكم في حال الجاهلية، وهكذا أيضاً عما خرج من سبق اللسان ولم يقصد إليه المتكلم، كما روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أُختي، فقال: (أُختك هي زوجتك؟) ""رواه أبو داود""فهذا إنكار، ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك لأنه لم يقصده، ولو قصده لحرمت عليه، لأنه لا فرق على الصحيح بين الأُم وبين غيرها من سائر المحارم من أُخت وعمّة وخالة وما أشبه ذلك. وقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى {ثم يعودون لما قالوا} فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار ابن حزم، وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد المظاهرة زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة، وقد حكي عن مالك أنه العزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنه الجماع، وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريماً لا يرفعه إلا الكفارة، وعن سعيد بن جبير {ثم يعودون لما قالوا} يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم. وقال الحسن البصري: يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأساً أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر. وقال ابن عباس: {من قبل أن يتماسا} والمس النكاح وكذا قال عطاء والزهري وقتادة ومقاتل بن حيان ، وقال الزهري: ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر، وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة، عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر، فقال: (ما حملك على ذلك يرحمك اللّه؟) قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: (فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه عزَّ وجلَّ) ""أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه""وقوله تعالى: {فتحرير رقبة} أي فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا، فههنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان، وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان، فحمل الشافعي رحمه اللّه ما أطلق ههنا على ما قيّد هناك لاتحاد الموجب، وهو عتق الرقبة، وقوله تعالى: {ذلكم توعظون به} أي تزجرون به، {واللّه بما تعملون خبير} أي خبير بما يصلحكم {عليم} بأحوالكم، وقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً} قد تقدمت الأحاديث الآمرة بهذا على الترتيب، كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان {ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله} أي شرعنا هذا لهذا، وقوله تعالى: {وتلك حدود اللّه} أي محارمه فلا تنتهكوها. وقوله تعالى: {وللكافرين عذاب أليم} أي الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة، لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء، كلا ليس الأمر كما زعموا، بل لهم عذاب أليم أي في الدنيا والآخرة.
وهذا تفسيرها عند القرطبى
فيه ثلاث وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى {الذين يظاهرون} قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف {يظاهرون} بفتح الياء وتشديد الظاء وألف. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {يظهرون} بحذف الألف وتشديد الهاء والظاء وفتح الياء. وقرأ أبو العالية وعاصم وزر بن حبيش {يظاهرون} بضم الياء وتخفيف الظاء والف وكسر الهاء. وقد تقدم هذا في الأحزاب . وفي قراءة أبي {يتظاهرون} وهي معنى قراءة ابن عامر وحمزة. وذكر الظهر كناية عن معنى الركوب، والآدمية إنما يركب بطنها ولكن كنى عنه بالظهر، لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره، فكنى بالظهر عن الركوب. ويقال : نزل عن امرأته أي طلقها كأنه نزل عن مركوب. ومعنى أنت علي كظهر أمي : أي أنت علي محرمة لا يحل لي ركوبك. الثانية: حقيقة الظهار تشبيه ظهر بظهر، والموجب للحكم منه تشبيه ظهر محلل بظهر محرم، ولهذا أجمع الفقهاء على أن من قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي أنه مظاهر. وأكثرهم على أنه إن قال لها : أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم أنه مظاهر. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما. واختلف فيه عن الشافعي رضى الله عنه، فروي عنه نحو قول مالك، لأنه شبه امرأته بظهر محرم عليه مؤبد كالأم. وروى عنه أبو ثور : أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. وهو مذهب قتادة والشعبي. والأول قول الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري. الثالثة: أصل الظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي. وإنما ذكر الله الظهر كناية عن البطن وسترا. فإن قال : أنت علي كأمي ولم يذكر الظهر، أو قال : أنت علي مثل أمي، فإن أراد الظهار فله نيته، وإن أراد الطلاق كان مطلقا البتة عند مالك، وإن لم تكن له نية في طلاق ولا ظهار كان مظاهرا. ولا ينصرف صريح الظهار بالنية إلى الطلاق، كما لا ينصرف صريح الطلاق وكنايته المعروفة له إلى الظهار، وكنايه الظهار خاصة تنصرف بالنية إلى الطلاق البت. الرابعة: ألفاظ الظهار ضربان : صريح وكناية، فالصريح أنت علي كظهر أمي، وأنت عندي وأنت مني وأنت معي كظهر أمي. وكذلك أنت علي كبطن أمي أو كرأسها أو فرجها أو نحوه، وكذلك فرجك أو رأسك أو ظهرك أو بطنك أو رجلك علي كظهر أمي فهو مظاهر، مثل قوله : يدك أو رجلك أو رأسك أو فرجك طالق تطلق عليه. وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يكون ظهارا. وهذا ضعيف منه، لأنه قد وافقنا على أنه يصح إضافة الطلاق إليه خاصة حقيقة خلافا لأبي حنيفة فصح إضافة الظهار إليه. ومتى شبهها بأمه أو بإحدى جداته من قبل أبيه أو أمه فهو ظهار بلا خلاف. وإن شبهها بغيرهن من ذوات المحارم التي لا تحل له بحال كالبنت والأخت، والعمة والخالة كان مظاهرا عند أكثر الفقهاء، وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه على الصحيح من المذهب على ما ذكرنا. والكناية أن يقول : أنت علي كأمي أو مثل أمي فإنه يعتبر فيه النية. فإن أراد الظهار كان ظهارا، وإن لم يرد الظهار لم يكن مظاهرا عند الشافعي وأبي حنيفة. وقد تقدم مذهب مالك رضي الله عنه في ذلك، والدليل عليه أنه أطلق تشبيه امرأته بأمه فكان ظهارا. أصله إذا ذكر الظهر وهذا قوي فان معنى اللفظ فيه موجود - واللفظ بمعناه - ولم يلزم حكم الظهر للفظه وإنما ألزمه بمعناه وهو التحريم، قاله ابن العربي. الخامسة: إذا شبه جملة أهله بعضو من أعضاء أمه كان مظاهرا، خلافا لأبي حنيفة في قوله : إنه إن شبهها بعضو يحل له النظر إليه لم يكن مظاهرا. وهذا لا يصح، لأن النظر إليه على طريق الاستمتاع لا يحل له، وفيه وقع التشبيه وإياه قصد المظاهر، وقد قال الإمام الشافعي في قوله : إنه لا يكون ظهارا إلا في الظهر وحده. وهذا فاسد، لأن كل عضو منها محرم، فكان التشبيه به ظهارا كالظهر، ولأن المظاهر إنما يقصد تشبيه المحلل بالمحرم فلزم على المعنى. السادسة: إن شبه امرأته بأجنبية فإن ذكر الظهر كان ظهارا حملا على الأول، وإن لم يذكر الظهر فاختلف فيه علماؤنا، فمنهم من قال : يكون ظهارا. ومنهم من قال : يكون طلاقا. وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يكون شيئا. قال ابن العربي : وهذا فاسد، لأنه شبه محللا من المرأة بمحرم فكان مقيدا بحكمه كالظهر، والأسماء بمعانيها عندنا، وعندهم بألفاظها وهذا نقض للأصل منهم. قلت : الخلاف في الظهار بالأجنبية قوي عند مالك. وأصحابه منهم من لا يرى الظهار إلا بذوات المحارم خاصة ولا يرى الظهار بغيرهن. ومنهم من لا يجعله شيئا. ومنهم من يجعله في الأجنبية طلاقا. وهو عند مالك إذا قال : كظهر ابني أو غلامي أو كظهر زيد أو كظهر أجنبية ظهار لا يحل له وطؤها في حين يمينه. وقد روي عنه أيضا : أن الظهار بغير ذوات المحارم ليس بشيء، كما قال الكوفي والشافعي. وقال الأوزاعي : لو قال لها أنت علي كظهر فلان رجل فهو يمين يكفرها. والله أعلم. السابعة: إذا قال : أنت علي حرام كظهر أمي كان ظهارا ولم يكن طلاقا، لأن قوله : أنت حرام علي يحتمل التحريم بالطلاق فهي مطلقة، ويحتمل التحريم بالظهار فلما صرح به كان تفسيرا لأحد الاحتمالين يقضي به فيه. الثامنة: الظهار لازم في كل زوجة مدخول بها أو غير مدخول بها على أي الأحوال كانت من زوج يجوز طلاقه. وكذلك عند مالك من يجوز له وطؤها من إمائه، إذا ظاهر منهن لزمه الظهار فيهن. وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يلزم. قال القاضي أبو بكر بن العربي : وهي مسألة عسيرة جدا علينا، لأن مالكا يقول : إذا قال لأمته أنت علي حرام لا يلزم. فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته. ولكن تدخل الأمة في عموم قوله{من نسائهم} لأنه أراد من محللاتهم. والمعنى فيه أنه لفظ يتعلق بالبضع دون رفع العقد فصح في الأمة، أصله الحلف بالله تعالى. التاسعة: ويلزم الظهار قبل النكاح إذا نكح التي ظاهر منها عند مالك. ولا يلزم عند الشافعي وأبي حنيفة، لقوله تعالى {من نسائهم} وهذه ليست من نسائه. وقد مضى أصل هذه المسألة في سورة التوبة عند قوله تعالى {ومنهم من عاهد الله} [التوبة : 75] الآية. العاشرة: الذمي لا يلزم ظهاره. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي : يصح ظهار الذمي، ودليلنا قوله تعالى{منكم} يعني من المسلمين. وهذا يقتضي خروج الذمي من الخطاب. فإن قيل : هذا استدلال بدليل الخطاب. قلنا : هو استدلال بالاشتقاق والمعنى، فإن أنكحة الكفار فاسدة مستحقة الفسخ فلا يتعلق بها حكم طلاق ولا ظهار، وذلك كقوله تعالى{وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق : 2] وإذا خلت الأنكحة عن شروط الصحة فهي فاسدة، ولا ظهار في النكاح الفاسد بحال. الحادية عشر: قوله تعالى {منكم} يقتضي صحة ظهار العبد خلافا لمن منعه. وحكاه الثعلبي عن مالك، لأنه من جملة المسلمين وأحكام النكاح في حقه ثابتة وإن تعذر عليه العتق والإطعام فإنه قادر على الصيام. الثانية عشر: وقال مالك رضي الله عنه : ليس على النساء تظاهر، وإنما قال الله تعالى {والذين يظهرون منكم من نسائهم} ولم يقل اللائي يظهرن منكن من أزواجهن، إنما الظهار على الرجال. قال ابن العربي : هكذا روي عن ابن القاسم وسالم ويحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد. وهو صحيح معنى، لأن الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجال ليس بيد المرأة منه شيء وهذا إجماع. قال أبو عمر : ليس على النساء ظهار في قول جمهور العلماء. وقال الحسن بن زياد : هي مظاهرة. وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد : ليس ظهار المرأة من الرجل بشيء قبل النكاح كان أو بعده. وقال الشافعي : لا ظهار للمرأة من الرجل. وقال الأوزاعي إذا قالت المرأة لزوجها، أنت علي كظهر أمي فلانة فهي يمين تكفرها. وكذلك قال إسحاق، قال : لا تكون امرأة متظاهرة من رجل ولكن عليها يمين تكفرها. وقال الزهري : أرى أن تكفر الظهار، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها، رواه عنه معمر. وابن جريج عن عطاء قال : حرمت ما أحل الله، عليها كفارة يمين. وهو قول أبي يوسف. وقال محمد بن الحسن : لا شيء عليها الثالثة عشر: من به لمم وانتظمت له في بعض الأوقات الكلم إذا ظاهر لزم ظهاره، لما روي في الحديث : أن خولة بنت ثعلبة وكان زوجها أوس بن الصامت وكان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر من امرأته. الرابعة عشر: من غضب وظاهر من امرأته أو طلق لم يسقط عنه غضبه حكمه. وفي بعض طرق هذا الحديث، قال يوسف بن عبدالله بن سلام : حدثتني خولة امرأة أوس بن الصامت، قالت : كان بيني وبينه شيء، فقال : أنت علي كظهر أمي ثم خرج إلى نادي قومه. فقولها : كان بيني وبينه شيء، دليل على منازعة أحرجته فظاهر منها. والغضب لغو لا يرفع حكما ولا يغير شرعا وكذلك السكران، وهي: الخامسة عشر: يلزمه حكم الظهار والطلاق في حال سكره إذا عقل قوله ونظم قوله ونظم كلامه، لقوله تعالى {حتى تعلموا ما تقولون} [النساء : 43] على ما تقدم في النساء بيانه. والله أعلم. السادسة عشر: ولا يقرب المظاهر امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ منها بشيء حتى يكفر، خلافا للشافعي في أحد قوليه، لأن قوله : أنت علي كظهر أمي يقتضي تحريم كل استمتاع بلفظه ومعناه، فإن وطئها قبل أن يكفر، وهي: السابعة عشر: استغفر الله تعالى وأمسك عنها حتى يكفر كفارة واحدة. وقال مجاهد وغيره : عليه كفارتان. روى سعيد عن قتادة، ومطرف عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص في المظاهر : إذا وطئ قبل أن يكفر عليه كفارتان. ومعمر عن قتادة قال : قال قبيصة بن ذؤيب : عليه كفارتان. و""روى جماعة من الأئمة منهم ابن ماجة والنسائي عن ابن عباس"" : أن رجلا ظاهر من امرأته فغشيها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : (ما حملك على ذلك) فقال : يا رسول الله! رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمره ألا يقربها حتى يكفر. و""روى ابن ماجة والدارقطني عن سليمان بن يسار"" عن سلمة بن صخر أنه ظاهر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يكفر تكفيرا واحدا. الثامنة عشر : إذا ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة، كقوله : أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا من كل واحدة منهن، ولم يجز له وطء إحداهن وأجزأته كفارة واحدة. وقال الشافعي : تلزمه أربع كفارات. وليس في الآية دليل على شيء من ذلك، لأن لفظ الجمع إنما وقع في عامة المؤمنين والمعول على المعنى. وقد ""روى الدارقطني عن ابن عباس"" قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إذا كان تحت الرجل أربع نسوة فظاهر منهن يجزيه كفارة واحدة، فإن ظاهر من واحدة بعد أخرى لزمه في كل واحدة منهن كفارة. وهذا إجماع. التاسعة عشر: فإن قال لأربع نسوة : إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي فتزوج إحداهن لم يقربها حتى يكفر، ثم قد سقط عنه اليمين في سائرهن. وقد قيل : لا يطأ البواقي منهن حتى يكفر. والأول هو المذهب. الموفية عشرين: وإن قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي وأنت طالق البتة، لزمه الطلاق والظهار معا، ولم يكفر حتى ينكحها بعد زوج آخر ولا يطأها إذا نكحها حتى يكفر، فإن قال لها : أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي لزمه الطلاق ولم يلزمه الظهار، لأن المبتوتة لا يلحقها طلاق. الحادية والعشرون: قال بعض العلماء : لا يصح ظهار غير المدخول بها. وقال المزني : لا يصح الظهار من المطلقة الرجعية، وهذا ليس بشيء، لأن أحكام الزوجية في الموضعين ثابتة، وكما يلحقها الطلاق كذلك يلحقها الظهار قياسا ونظرا. والله أعلم. الثانية والعشرون: قوله تعالى {ما هن أمهاتهم} أي ما نساؤهم بأمهاتهم. وقراءة العامة {أمهاتهم} بخفض التاء على لغة أهل الحجاز، كقوله تعالى {ما هذا بشرا} [يوسف : 31]. وقرأ أبو معمر والسلمي وغيرهما {أمهاتهم} بالرفع على لغة تميم. قال الفراء : أهل نجد وبنو تميم يقولون {ما هذا بشر}، و{ما هن أمهاتهم} بالرفع. {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} أي ما أمهاتهم إلا الوالدات. وفي المثل : ولدك من دمي عقبيك. وقد تقدم القول في اللائي في الأحزاب . الثالثة والعشرون: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} أي فظيعا من القول لا يعرف في الشرع. والزور الكذب {وإن الله لعفو غفور} إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم من هذا القول المنكر.