كيف تطفئ جمرة غضبك ؟
الحمد لله الذي خلق الظلمات والنور
والصلاة والسلام على رسول الله ،
، وأشهد أن لا إله إلا الله ،
وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وإليه تُرجعون ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم يبعثون ، أما بعد :
فالغضب نفخة من نفخات الشيطان الرجيم ـ نعوذ بالله منه ـ
ليسيطر به على صاحبه ، فيفقده اتزانه ، فيقول ويعمل ما يوبق
دنياه وأخراه ، وكم من عاقل فقد عقله حال غضبه فأرداه
الشيطان في داهية ، وألقاه في هاوية !
وكم من رجل غضب في لحظة شيطانية ، فتكلم بما يوجب لهالنار ،
وكان الغضب سبب تلك الخطايا والأوزار !
وكم من رجل حليم ، غضب فظلم ، وسخط فحرم ، وتكلم فندم !
وكم من زوج محبٍ لزوجته ، ملكت عليه لُبَّه ، وتمكنت من قلبه ،
فوقعت فيما يسخطه ، فغضب منها غضبة أوقعته فيما كان يحذر
، فمدَّ يده عليها بغير حق ، وتكلم عليها بباطل ، وربما طلَّقها
بغير جرم ، فندم يوم لا ينفعه الندم ، فخرجت من بيته وهو لها
محب ، وفرَّق بينهما الغضب !
وكم من والد غضب من ولده ، فضربه ضرباً مبرحاً ، حتى أعطبه وأرداه ،
وأوقع به من العطب في بدنه ، ما جعل الوالد الحزين يندم على ذلك مدى عمره ،
ولو تأمل بعقله لوجد أن السبب لا يستحق هذا الغضب !
وكم من رجل عاقل تعرض له بالأذى أو الخطأ رجل آخر ،
فنفخ الشيطان في قفاه ، فتقاتلا كالأعداء ، فقتله أو جرحه ،
فكانت السجون من بعد بيته موطن سكنه وحزنه ،
أو كان السيف الأبتر الذي دُقَّت به عنقه ثمرة من ثمرات الغضب !
وكم ، وكم ، وكم ...
مواقف حزينة ، وكلمات مشينة ، وكربات جسيمة ، ونكبات عظيمة ،
كان الغضب سبباً فيها ، وقائداً إليها ، وربما تعرض المرء للحظة
غضب أردته في الدنيا قبل الآخرة ، وعرضته لمساخط الله
وحلول عقابه عليه ، ولعاقل أن يسأل
فما الحل ؟ وما وسائل كبح جماح الغضب ؟ وكيف نتخلص منه ؟
ونبتعد عنه ؟ وأيُّنا لا يغضب !
ولطرح حلول عملية في هذه القضية جاءت هذه الرسالة ،
بلفظ سهل ، وعبارة ميسورة ، وكلمات سهلة ، فعسى الله أن
ينفعني بها وإخواني المسلمين ، وبالله نصول ونجول ونستعين :
*فمنها ؛ أن تعلم أن الغضب إنما هو نفخة من نفخات الشيطان على الإنسان ،
فلتحذر من عدوك ، فإنه يريدك أن تغضب ليتكلم على لسانك ،
ويبطش بيدك ، ويسحق بقدمك
فعن سليمان بن صرد ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت جالساً مع
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجلان يستبان ، فأحدهما احمرَّ وجهه ،
وانتفخت أوداجه ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :
" إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ،
لو قال : أعوذ بالله من الشيطان . ذهب عنه ما يجد " .
فقالوا : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
" تعوذ بالله من الشيطان " فقال : وهل بي جنون ؟" [1].
هل رأيت ماذا قال ؟!
جربها أنت مع من تراه يخاصم ويهاجم ، وقل له : استعذ بالله من الشيطان ،
فهل تراه يقولها من أول وهلة ؟ جرِّب لتعرف الجواب .
*ومنها ؛ أن تدرك الأجور العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن كتم
غيظه وكف غضبه ، ولو شاء لأنفذه ، ولكنه تركه لله تعالى .
فعن معاذ بن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله عليه
" من كظمَ غيظاً وهو يستطيعُ أن ينفِذَه ، دعاه الله يوم القيامة
على رؤوس الخلائق ، حتى يُخيره في أي الحور شاء" [2]
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" ما من جُرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جُرعة غيظٍ
كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله" [3]
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" ... ومن كفَّ غضبه ، ستر الله عورته ، ومن كظم غيظاً
ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ..." [4]
*ومنها ؛ أن تفارق المكان الذي غضبت فيه إلى حين ، فيخسأ الشيطان ،
ويعود إليك الاتزان ، فإذا غضبت من زوجتك فلا تقعد معها في البيت
بل اخرج من المنزل لبضع ساعات ، لتعود إليه وقد ذهب غضبك ،
وأمعنت الفكر في المشكلة التي وقع عليها الخلاف ومن أجلها الشجار ،
وكذلك الحال عندما يحدث بينك وبين غيرك شجار أو عراك أو خصومة ،
اخرج ؛ لتنجُو .
فعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ بيتَ فاطمةَ ـ رضي الله عنها ـ فلم يجد عليّاً ـ رضي الله عنه ـ
في البيت ، فقال :
" أين ابنُ عمِّكِ ؟" فقالت : كان بيني وبينَهُ شيءٌ ، فغاضبني ،
فخرج فلم يَقِل عندي ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم لإنسانٍ :
" انظُر أين هُو ؟" فجاء ، فقال : يا رسول الله ! هو في المسجد
راقدٌ ، فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مُضطجعٌ ،
قد سقطَ رداؤُهُ عن شِقِّه . فأصابَهُ تُرابٌ ، فجعلَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ يمسَحُهُ عنهُ ، ويقولُ :" قُم أبا التُّرابِ ! قُم أبا التُّرابِ! " [5]
*ومنها ، أن تستعيذ بالله من شرِّه وتلبيسه وتوهيمه وغمزه
ولمزه ، فإنه القادر ـ سبحانه ـ أن يحميك من شرِّ وضُرِّه .
قال تعالى :
[ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الْشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالْلَّهِ إِنَّهُ هُوَ الْسَّمِيْعُ الْعَلِيْمُ] [6]
وقوله تعالى :
[ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوْذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الْشَّيَاطِيْنِ وَأَعْوَزَ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُوْنِ] [7]
*ومنها ؛ أن تجلس إذا كنت قائما ، وتضطجع إذا كنت جالساً ،
وهو خلاف ما يريده منه عدوك .
وتأمل حالك عندما تغضب ! تنتفخ أوداجك ، ويحمرّ وجهك ،
ويتشنَّج بدنك ، وتضطرب أطرافك ، وتزداد خفقات قلبك ،
فتقوم من جلستك ، وتقعد من رقدتك ، وتستعد للعراك والنزال ،
فعليك بعكس مراده ، ومخالفة مقصوده ، وهي وصية نبوية
من خير البرية ـ صلى الله عليه وسلم ، وهي عسيرة إلا على من
يسَّرها الله عليه .
فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لنا :
" إذا غَضِبَ أحدكم وهو قائم فليجلس ،
فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" [8]
*ومنها ؛ أن تطفئ الغضب بالوضوء ، فالشيطان مخلوق من نار ،
ولا يطفئها إلا الماء ، فعليك به تنجو من شروره ـ بإذن الله .
فإنه يُروى أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
" إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ،
وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" [9]
*ومنها ؛ أن تصمت حال غضبك فلا تتكلم حتى لا تندم ،
فغالب الكلام في وقت الغضب لا يسر ، ولذلك أرجو أن تقوم بهذه
التجربة أو تطلبها من غيرك ، فإذا غضبت يوماً من الأيام أدر
جهاز تسجيل الأصوات ليسجل كلامك ، لتسمع بعد ذلك
ما يسوؤك ولا يسرك !
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
"علِّموا ويسِّروا (ثلاث مرات ) ، وإذا غضبت فاسكت( مرتين ) " [10]
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" من كفَّ غضبه كفَّ الله عنهُ عذابهُ ،
ومن خزن لسانهُ ستر الله عورته ،ومن اعتذر إليه عذره"[11]
وعن أبي وائلٍ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ
أنَّه ارتقى الصَّفا ، فأخذَ بلسَانِه ، فقال : يا لسانُ ! قُل خيراً تغنَم ،
واسكُت عن شرٍ تسلَم ، مِن قَبلِ أن تندَمَ . ثمَّ قال :
سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :
" أكثرُ خطايا ابن آدم في لسانِه" [12]
*ومنها ؛ أن تحذر من دواعيه الجالبة له والمتسببة فيه ،
فإذا علمت من نفسك أنك غالباً ما تغضب في بعض الأماكن
فلا تذهب إليها ، وإذا كان في العادة لقاؤك ببعض من تعرف
سيثير غضبك ، فلا تلقاه إلا في وقت الضرورة أو فيما وجب
عليك من الصلة .
*ومنها ؛ أن تسيطر على نفسك ، وتتحكم في قولك وفعلك ،
وهل الشديد إلا من حكم نفسه قبل أن يحكم غيره ؟!
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ::
"ليس الشديدُ بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"
[13]
فنفسك ميدانك الأول ، ومن سنة القتال :[ قاتلوا الذين يلونكم ]
*ومنها ؛ قراءة القرآن بصوت مسموع ، فإن الشيطان يفرُّ من
القرآن ، ويهرب من الذكر ، ويولي عند رفع شعائر الله كالأذان .
قال تعالى :
[قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) ] [14]
والخناس هو الشيطان يخنس أي يختبئ ويهرب عند ذكر الله ،
فإذا غفل العبد عن الذكر حضر العدو فوسوس ،
والشيطان لا يقرب بيتاً يُقرأ فيه بالبقرة وآل عمران .
*ومنها ؛ احرص على استقرار حالتك الطبية والنفسية ،
فإن لبعض الأمراض العضوية تأثير بالغ في الحالة النفسية
للمصاب بها ، كمرض السكر والضغط ، فإن لها أعظم الأثر في
كثرة الغضب والتهيج النفسي ، فحاول أن لا يرتفع منسوب
السكر وكذلك الضغط في الدم ، لتسلم !
*ومنها ؛ انظر بعين فاحصة لأسباب الغضب ، فلعل بعضها
لا يستحق هذا منك ، فهل يحق لك أن تغضب من أجل أمرٍ تافه ؟!
أعتقد أنك أكبر من هذا !
وربما تجد أنك غضبت غضباً يُغضب الله عليك !!
فتدبر ! حتى لا تخسر .
**سؤال أخير : هل تغضب لله تعالى ؟ وهل غضبك لله كغضبك
لنفسك ؟ فإذا رأيت حدود الله تنتهك ، وحمى الله يستباح ،
وفرائض الله تضيَّع ، تمعَّر وجهك غيرة وغضباً ، وفارت دماء
الحمية الإيمانية في أوردتك ، أم أن الأمر لا يعنيك ،
ولا يمتُّ بصلة إليك ؟!
منقول)
--------------------[1] صحيح البخاري (6/337 ) ( 3282 ) .
[2] صحيح سنن الترمذي ( 2/197 ) ( 1645 ) وصحيح سنن أبي داود (3/908 ) (3997 ) .
[3] صحيح سنن ابن ماجه ( 2/407 ) ( 3377 ) .
[4] رواه الطبراني في الكبير ، انظر : السلسلة الصحيحة ( 2/608) ( 906) .
[5] صحيح مسلم (2/1495) (2409 ) .
[6] فصلت : 36
[7] المؤمنون : 97
[8] صحيح سنن أبي داود (3/907) (4000) .
[9] ضعيف سنن أبي داود ص (475 ) رقم (1025 ) وضعيف الجامع ، رقم (1510) .
[10] صحيح الأدب المفرد ـ ص (501 ) رقم (991 /1320 ) والسلسلة الصحيحة () (1375 ) .
[11] أخرجه أبو يعلى والدولابي ، انظر : السلسلة الصحيحة (5/475 ) (2360 ) .
[12] رواه الطبراني وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي ، انظر : صحيح الترغيب والترهيب (3/93) (2872) .
[13] صحيح البخاري (7/130 ) (6114) .
[14] الناس :